-A +A
د. عبدالكريم بن إبراهيم العريني abdualkaremoran@
أنعم الله علينا بكتابه العظيم الذي حث على استعمال العقل والمصلحة، وعند النظر والتدبُّر نجد من أدوات الفكر في كتاب الله؛ الشك والسؤال، فهما من أهم أدوات الفكر، إذ قال سبحانه لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ)، ولم يشك النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان على يقين تام وإيمان مطلق، إلا أن الشك والسؤال أمر أساسي للفكر، وقد قال سبحانه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، شك للوصول إلى الاطمئنان.

أما إعمال العقل في القرآن فقد وردت مشتقاته في (٤٩) موضعاً، وأما مشتقات الفكر ففي (18) موضعاً، وحينما يشك الإنسان في المفاهيم والمذاهب الفكرية فإنه سيجد لها وسيلة لتطبيقها، فهي تتفق مع دستورنا (كتاب الله) والمصلحة وليس المذاهب الفقهية، فمن ينتقد الليبرالية والعلمانية بشكل مطلق مجانب للصواب، لأن القيم التي تقوم عليها احتواها الإسلام كالعدل والعقل والعلم والمصلحة وحقوق الإنسان والحرية.


إن التقليد المطلق للتراث دون تفكر غلو مطلق، ويدخل في الشك كل أدوات الفكر، فلا شك ولا سؤال دون بحث وعلم، وملاحظة، ويمنهج الشك بأدوات الفكر، ونجد بعض الناقدين يجلدون الفيلسوف (ديكارت) جلداً معنوياً في قبره بسبب تحدثه عن الشك، بينما يتجاهلون أن الشك كأداة فكر مذكور في القرآن قبل أن يولد، إلا أنهم يقتصرون على جلب الحسنات بتلاوته في رمضان، دون إعمال للفكر، ويحق للبشرية أن تشك في عقول هؤلاء المتعصبين للتراث، وبلا عقل.

وفي الشك والسؤال يكون الدين في كتاب الله وليس في كتب الفقهاء، والتراث، والمذاهب، وحينما نعمل الشك في الغيبيات فإننا نقف، حيث يصلب العقل على خشبة الغيبيات.

إن غربلة التراث بالشك والسؤال؛ سواء كان فقهياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً، جزء أساسي لفهم روح كل عصر قبل أن تتم محاكاته والاستفادة منه دون إعمال للعقل.